الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: جامع الرسائل **
والأصل الثاني: أن وجود المحدثات المخلوقات هو عين وجود الخالق ليس غيره ولا سواه وهذا هو الذي ابتدعه وانفرد به عن جميع من تقدمه من المشايخ والعلماء وهو قول بقية الاتحادية لكن ابن العربي أقربهم إلى الإسلام وأحسن كلاماً في مواضع كثيرة فإنه يفرق بين الظاهر والمظاهر فيقر الأمر والنهي والشرائع على ما هي عليه ويأمر بالسلوك بكثير مما أمر به المشايخ من الأخلاق والعبادات ولهذا كثير من العباد يأخذون من كلامه سلوكهم فينتفعون بذلك وإن كانوا لا يفقهون حقائقه ومن فهمها منهم ووافقه فقد تبين قوله. وأما صاحبه الصدر الرومي فإنه كان متفلسفاً فهو أبعد عن الشريعة والإسلام ولهذا كان الفاجر التلمساني الملقب بالعفيف يقول: كان شيخي القديم متروحناً متفلسفاً والآخر يقول متفلسفاً متروحناً - يعني الصدر الرومي - فإنه كان قد أخذ عنه ولم يدرك ابن عربي في كتاب مفتاح غيب الجمع والوجود وغيره يقول: إن الله تعالى هو الوجود المطلق والمعين كما يفرق بين الحيوان المطلق والحيوان المعين والجسم المطلق والجسم المعين والمطلق لا يوجد إلا في الخارج مطلقاً لا يوجد المطلق إلا في الأعيان الخارجة. فحقيقة قوله أنه ليس لله سبحانه وجود أصلاً ولا حقيقة ولا ثبوت إلا نفس الوجود القائم بالمخلوقات ولهذا يقول هو وشيخه أن الله تعالى لا يرى أصلاً وأنه ليس له في الحقيقة اسم ولا صفة ويصرحون بأن ذات الكلب والخنزير والبول والعذرة عين وجوده - تعالى الله عما يقولون. وأما الفاجر التلمساني فهو أخبث القوم وأعمقهم في الكفر فإنه لا يفرق بين الوجود والثبوت كما يفرق ابن عربي ولا يفرق بين المطلق والمعين كما يفرق الرومي ولكن عنده ما ثم غير ولا سوى بوجه من الوجوه وإن العبد إنما يشهد السوى ما دام محجوباً فإذا انكشف حجابه رأى أنه ما ثم غير يبين له الأمر ولهذا كان يستحل جميع المحرمات حتى حكى عنه الثقات أنه كان يقول البنت والأم والأجنبية شيء واحد ليس في ذلك حرام علينا وإنما هؤلاء المحجوبون قالوا حرام فقلنا حرام عليكم وكان يقول القرآن كله شرك ليس فيه توحيد وإنما التوحيد في كلامنا وكان يقول: أنا ما أمسك شريعة واحدة وإذا أحسن القول يقول القرآن يوصل إلى الجنة وكلامنا يوصل إلى الله تعالى وشرح الأسماء الحسنى على هذا الأصل الذي له وله ديوان شعر قد صنع فيه أشياء وشعره في صناعة الشعر جيد ولكنه كما قيل: لحم خنزير في طبق صيني وصنف للنصيرية عقيدة وحقيقة أمرهم أن الحق بمنزلة البحر وأجزاء الموجودات بمنزلة أمواجه. وأما ابن سبعين فإنه في البدو والإحاطة يقول أيضاً بوحدة الوجود وأنه ما ثم غير وكذلك ابن الفارض في آخر نظم السلوك لكن لم يصرح هل يقول بمثل قول التلمساني أو قول الرومي أو قول ابن العربي وهو إلى كلام التلمساني أقرب لكن ما رأيت فيهم من كفر هذا الكفر الذي ما كفره أحد قط مثل التلمساني وآخر يقال له البلباني من مشايخ شيراز ومن شعره: وفي كل شيء له آية تدل على أنه عينه وأيضاً: وما أنت غير الكون بل أنت عينه ويفهم هذا السر من هو ذائقه وأيضاً: وتلتذ إن مرت على جسدي يدي لأني في التحقيق لست سواكم وأيضاً: فلسوف تعلم أن سيرك لم يكن إلا إليك إذا بلغت المنزلا وأيضاً: ما الأمر إلا نسق واحد ما فيه من حمد ولا ذم وإنما العادة قد خصصت والطبع والشارع في الحكم وأيضاً: يا عاذلي أنت تنهاني وتأمرني والوجد أصدق نهاء وأمار فإن أطعك وأعص الوجد عدت عمي عن العيان إلى أوهام أخبار فعين ما أنت تدعوني إليه إذا حققته تره المنهي يا جاري وأيضاً: وما البحر إلا الموج لا شيء غيره وإن فرقته كثرة المتعدد إلى أمثال هذه الأشعار وفي النثر ما لا يحصى ويوهمون الجهال أنهم مشايخ الإسلام وأئمة الهدى الذين جعل الله تعالى لهم لسان صدق في الأمة مثل سعيد بن المسيب والحسن البصري وعمر بن عبد العزيز ومالك بن أنس والأوزاعي وإبراهيم بن أدهم وسفيان الثوري والفضيل ابن عياض ومعروف الكرخي والشافعي وأبي سليمان وأحمد بن حنبل وبشر الحافي وعبد الله ابن المبارك وشقيق البلخي ومن لا يحصى كثرة - إلى مثل المتأخرين مثل الجنيد بن محمد القواريري وسهل بن عبد الله التستري وعمر بن عثمان المكي ومن بعدهم - إلى أبي طالب المكي إلى مثل الشيخ عبد القادر الكيلاني والشيخ عدي والشيخ أبي البيان والشيخ أبي مدين والشيخ عقيل والشيخ أبي الوفاء والشيخ رسلان والشيخ عبد الرحيم والشيخ عبد الله اليونيني والشيخ القرشي وأمثال هؤلاء المشايخ الذين كانوا بالحجاز والشام والعراق ومصر والمغرب وخراسان من الأولين والآخرين. كل هؤلاء متفقون على تكفير هؤلاء ومن هو أرجح منهم وإن الله سبحانه ليس هو خلقه ولا جزءاً من خلقه ولا صفة لخلقه بل هو سبحانه وتعالى مميز بنفسه المقدسة بائن بذاته المعظمة عن مخلوقاته وبذلك جاءت الكتب الأربعة الإلهية من التوراة والإنجيل والزبور والقرآن وعليه فطر الله تعالى عباده وعلى ذلك دلت العقول. وكثيراً ما كنت أظن أن ظهور مثل هؤلاء أكبر أسباب ظهور التتار واندراس شريعة الإسلام وإن هؤلاء مقدمة الدجال الأعور الكذاب الذي يزعم أنه هو الله فإن هؤلاء عندهم كل شيء هو الله ولكن بعض الأشياء أكبر من بعض وأعظم وأما على رأي صاحب الفصوص فإن بعض المظاهر والمستجليات يكون أعظم لعظم ذاته الثابتة في العدم وأما على رأي الرومي فإن بعض المتعينات يكون أكبر فإن بعض جزئيات الكلي أكبر من بعض وأما على البقية فالكل أجزاء منه وبعض الجزء أكبر من بعض فالدجال عند هؤلاء مثل فرعون من كبار العارفين وأكبر الرسل بعد نبينا محمد صلى الله تعالى عليه وسلم وإبراهيم وموسى وعيسى عليهم السلام فموسى قاتل فرعون الذي يدعي الربوبية ويسلط الله تعالى مسيح الهدى الذي قيل فيه إنه الله تعالى وهو برئ من ذلك على مسيح الضلالة الذي قال إنه الله. ولهذا كان بعض الناس يعجب من كون النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال: " إنه أعور " وكونه قال: " واعلموا أن أحداً منكم لن يرى ربه حتى يموت " وابن الخطيب أنكر أن يكون النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قال هذا لأن ظهور دلائل الحدوث والنقص على الدجال أبين من أن يستدل عليه بأنه أعور فلما رأينا حقيقة قول هؤلاء الاتحادية وتدبرنا ما وقعت فيه النصارى والحلولية ظهر سبب دلالة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم لأمته بهذه العلامة فإنه بعث رحمة لعالمين فإذا كان كثير من الخلق يجوز ظهور الرب في البشر أو يقول إنه هو البشر كان الاستدلال على ذلك بالعور دليلاً على انتفاء الإلهية عنه. وقد خاطبني قديماً شخص من خيار أصحابنا كان يميل إلى الاتحاد ثم تاب منه وذكر هذا الحديث فبينت له وجهه وجاء إلينا شخص كان يقول إنه خاتم الأولياء فزعم أن الحلاج لما قال أنا الحق كان الله تعالى هو المتكلم على لسانه كما يتكلم الجني على لسان المصروع وأن الصحابة لما سمعوا كلام الله تعالى من النبي صلى الله تعالى عليه وسلم كان من هذا الباب. فبينت له فساد هذا وإنه لو كان كذلك كان الصحابة بمنزلة موسى بن عمران وكان من خاطبه هؤلاء أعظم من موسى لأن موسى سمع الكلام الإلهي من الشجرة وهؤلاء يسمعون من الجن الناطق وهذا يقوله قوم من الاتحادية لكن أكثرهم لا يفرقون بين الاتحاد العام المطلق الذي يذهب إليه الفاجر التلمساني وذووه وبين الاتحاد المعين الذي يذهب إليه النصارى والغالية وقد كان سلف الأمة وسادات الأئمة يرون كفر الجهمية أعظم من كفر اليهود كما قال عبد الله ابن المبارك والبخاري وغيرهما وإنما كانوا يلوحون تلويحاً وقل إن كانوا يصرحون بأن ذاته في مكان. وأما هؤلاء الاتحادية فهم أخبث وأكفر من أولئك الجهمية ولكن السلف والأئمة أعلم بالإسلام وبحقائقه فإن كثيراً من الناس قد لا يفهم تغليظهم في ذم المقالة حتى يتدبرها ويرزق نور الهدى فلما اطلع السلف على سر القول نفروا منه وهذا كما قال بعض الناس: متكلمة الجهمية لا يعبدون شيئاً ومتعبدة الجهمية كل شيء وذلك لأن متكلمهم ليس في قلبه تأله ولا تعبد فهو يصف ربه بصفات العدم والموات. وأما المتعبد ففي قلبه تأله وتعبد والقلب لا يقصد إلا موجوداً لا معدوماً فيحتاج أن يعبد المخلوقات إما الوجود المطلق وإما بعض المظاهر كالشمس والقمر والبشر والأوثان وغير ذلك فإن قول الاتحادية يجمع كل شرك في العالم وهم لا يوحدون الله سبحانه وتعالى وإنما يوحدون القدر المشترك بينه وبين المخلوقات فهم بربهم يعدلون ولهذا حدث الثقة أن ابن سبعين كان يريد الذهاب إلى الهند وقال إن أرض الإسلام لا تسعه لأن الهند مشركون يعبدون كل شيء حتى النبات والحيوان. وهذا حقيقة قول الاتحادية وأعرف ناساً لهم اشتغال بالفلسفة والكلام وقد تألهوا على طريق هؤلاء الاتحادية فإذا أخذوا يصفون الرب سبحانه بالكلام قالوا: ليس بكذا ليس بكذا ووصفوه بأنه ليس هو رب المخلوقات كما يقوله المسلمون لكن يجحدون صفات الخالق التي جاءت بها الرسل عليهم السلام وإذا صار لأحدهم ذوق ووجد تأله وسلك طريق الاتحادية وقال إنه هو الموجودات كلها فإذا قيل له أين ذلك النفي من هذا الإثبات قال: ذلك جدي وهذا ذوقي فيقال لهذا الضال: كل ذوق ووجد لا يطابق لاعتقاد فأحدهما أو كلاهما باطل وإنما الأذواق والمواجيد نتائج المعارف والاعتقادات فإن علم القلب حاله متلازمان فعلى قدر العلم والمعرفة يكون الوجد والمحبة والحال ولو سلك هؤلاء طريق الأنبياء والمرسلين عليهم السلام الذين أمروا بعبادة الله تعالى وحده لا شريك له ووصفوه بما وصف به نفسه وبما وصفته به رسله واتبعوا طريق السابقين الأولين لسلكوا طريق الهدى ووجدوا برد اليقين وقرة العين فإن الأمر كما قال بعض الناس إن الرسل جاؤوا بإثبات مفصل ونفي مجمل والصابئة المعطلة جاؤوا بنفي مفصل وإثبات مجمل فالقرآن مملوء من قوله تعالى في الإثبات: " وهذا الكتاب مع أني قد أطلت فيه الكلام على الشيخ أيده الله تعالى بالإسلام ونفع المسلمين ببركة أنفاسه وحسن مقاصده ونور قلبه فإن ما فيه نكت مختصرة فلا يمكن شرح هذه الأشياء في كتاب ولكن ذكرت للشيخ أحسن الله تعالى إليه ما اقتضى الحال أن أذكره - وحامل الكتاب مستوفز عجلان وأنا أسأل الله العظيم أن يصلح أمر المسلمين عامتهم وخاصتهم ويهديهم إلى ما يقربهم وأن يجعل الشيخ من دعاة الخير الذين قال الله سبحانه فيهم: " انتهى. مسألة صفات الله تعالى وعلوه على خلقه بسم الله الرحمن الرحيم السؤال: ما تقول السادة الفقهاء أئمة الدين في رجلين تباحثا في مسألة الإثبات للصفات والجزم بإثبات العلو فقال أحدهما يجب على أحد معرفة هذا ولا البحث عنه ويعتقد أن الله واحد في ملكه وهو رب كل شيء وخالقه ومليكه ومن تكلم في شيء من هذا فهو مجسم حشوي فهل هذا القائل لهذا الكلام مصيب أم مخطئ فإذا كان مخطئاً فما الدليل على أنه يجب على الناس أن يعتقدوا إثبات الصفات والعلو ويعرفوه وما معنى التجسيم والحشو أفتونا وابسطوا القول في هذا مأجورين إن شاء الله تعالى. الجواب: الحمد لله رب العالمين يجب على الخلق الإقرار بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم فما جاء به القرآن أو السنة المعلومة وجب على الخلق الإقرار به جملة وتفصيلاً عند العلم بالتفصيل فلا يكون الرجل مؤمناً حتى يقر بما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وهو تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فمن شهد أنه رسول الله شهد أنه صادق فيما يخبر به عن الله فإن هذا حقيقة الشهادة بالرسالة إذ الكاذب ليس برسول فيما يكذبه وقد قال الله تعالى: " ولو وفي الجملة فهذا معلوم بالاضطرار من دين الإسلام لا يحتاج إلى تقريره هنا وهو الإقرار بما جاء النبي صلى الله عليه وسلم وهو ما جاء به من القرآن والسنة كما قال تعالى: " وقال تعالى: " وقال تعالى: " وقال تعالى: " وقال تعالى: " ومما جاء به الرسول رضاه عن السابقين الأولين وعن من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين كما قال: " وما جاء به الرسول إخباره بأنه تعالى قد أكمل الدين بقوله: " وقال تعالى: " وقال تعالى: " ومعلوم أنه قد بلغ الرسالة كما أمر ولم يكتم منها شيئاً فإن كتمان ما أنزله الله إليه يناقض موجب الرسالة كما أن الكذب يناقض موجب الرسالة ومن المعلوم في دين المسلمين أنه معصوم من الكتمان لشيء من الرسالة كما أنه معصوم من الكذب فيها والأمة تشهد له بأنه بلغ الرسالة كما أمره الله وبين ما أنزل إليه من ربه وقد أخبر الله بأنه قد أكمل الدين وإنما كمل بما بلغه إذ الدين لم يعرف إلا بتبليغه فعلم أنه بلغ جميع الدين الذي شرعه الله لعباده كما قال صلى الله عليه وسلم: " تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها بعدي إلا هالك " وقال: " ما تركت من شيء يقربكم إلى الجنة إلا وقد حدثتكم به وما من شيء يبعدكم عن النار إلا وقد حدثتكم به ". وقال أبو ذر: لقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وما طائر يقلب جناحيه في السماء إلا ذكرنا منه علماً. فإذا تبين هذا فقد صح ووجب على كل مسلم تصديقه فيما أخبر به عن الله تعالى من أسماء وصفاته مما جاء في القرآن وفي السنة الثابتة عنه كما كان عليه السابقون الأولون من المهاجرين والأنصار والذين اتبعوهم بإحسان الذي رضي الله عنهم ورضوا عنه فإن هؤلاء الذين تلقوا عنه القرآن والسنة وكانوا يتلقون عنه ما في ذلك من العلم والعمل كما قال أبو عبد الرحمن السلمي لقد حدثنا الذين كانوا يقرؤننا القرآن كعثمان بن عفان وغيره أنهم كانوا إذا تعلموا من النبي صلى الله عليه وسلم عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل قالوا فتعلمنا القرآن والعلم والعمل جميعاً وقد قام عبد الله بن عمر وهو من أصاغر الصحابة في تعلم البقرة ثماني سنين وإنما ذلك لأجل الفهم والمعرفة وهذا معلوم من وجوه: أحدها: أن العادة المطردة التي جبل الله عليها بني آدم توجب اعتناءهم بالقرآن المنزل عليهم لفظاً ومعنى بل أن يكون اعتناؤهم بالمعنى أوكد فإنه قد علم أنه من قرأ في الطب أو الحساب أو النحو أو الفقه أو غير ذلك فإنه لا بد أن يكون راغباً في فهمه وتصور معانيه فكيف من قرأ كتاب الله تعالى المنزل إليهم الذي به هداهم الله وبه عرفهم الحق والباطل والخير والشر والهدى والضلال والرشاد والغي فمن المعلوم أن رغبتهم في فهمه وتصور معانيه أعظم الرغبات بل إذا سمع المتعلم من العالم حديثاً فإنه يرغب في فهمه فكيف بمن يسمعون كلام الله من المبلغ عنه بل ومن المعلوم أن رغبة الرسول صلى الله عليه وسلم في تعرفهم معاني القرآن أعظم من رغبته في تعرفهم حروفه فإن معرفة الحروف بدون المعاني لا تحصل المقصود إذا اللفظ إنما يراد للمعنى. الوجه الثاني: أن الله سبحانه وتعالى قد حضهم على تدبره وتعقله وإتباعه في غير موضع كما قال تعالى: " وقال تعالى: " وقال تعالى: " وقال تعالى: " الوجه الثالث: أنه قال تعالى: " وقال تعالى: " الوجه الرابع: أنه ذم من لا يفقهه فقال تعالى: " وقال تعالى: " الوجه الخامس: أنه ذم من لم يكن حظه من السماع إلا سماع الصوت دون فهم المعنى وإتباعه فقال تعالى: " وقال تعالى: " وهؤلاء المنافقون سمعوا صوت الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يفهموا وقالوا: ماذا قالوا آنفاً أي الساعة وهذا كلام من لم يفقه. قال تعالى: " أسباب الاختلاف في التفسير المأثور: فإن قال قائل قد اختلفوا في تفسير القرآن اختلافاً كثيراً ولو كان ذلك معلوماً عندهم عن الرسول صلى الله عليه وسلم ولم يختلفوا فيقال الاختلاف الثابت عن الصحابة بل وعن أئمة التابعين في القرآن أكثره لا يخرج عن وجوه: أحدها: أن يعبر كل منهم عن معنى الاسم بعبارة غير عبارة صاحبه فالمسمى واحد وكل اسم يدل على معنى لا يدل عليه الاسم الأخر مع أن كلاهما حق بمنزلة تسمية الله تعالى بأسمائه الحسنى وتسمية الرسول صلى الله عليه وسلم بأسمائه وتسمية القرآن العزيز بأسمائه فقال تعالى: " الوجه الثاني: أن يذكر كل منهم من تفسير الاسم بعض أنواعه أو أعيانه على سبيل التمثيل للمخاطب لا على الحصر والإحاطة كما لو سأل أعجمي عن معنى لفظ الخبز فأري رغيفاً وقيل هذا هو فذاك مثال للخبز وإشارة إلى جنسه لا إلى ذلك الرغيف خاصة ومن هذا ما جاء عنهم في قوله تعالى: " الوجه الثالث: أن يذكر أحدهم لنزول الآية سبباً ويذكر الآخر سبباً آخر لا ينافي الأول ومن الممكن نزولها لأجل السببين جميعاً أو نزولها مرتين مرة لهذا ومرة لهذا وأما ما صح عن السلف أنهم اختلفوا فيه اختلاف تناقض فهذا قليل بالنسبة إلى ما لم يختلفوا فيه كما أن تنازعهم في بعض مسائل السنة كبعض مسائل الصلاة والزكاة والصيام والحج والفرائض والطلاق ونحو ذلك لا يمنع أن يكون أن يكون أصل هذه السنن مأخوذاً عن النبي صلى الله عليه وسلم وجملها منقولة عنه بالتواتر. وقد تبين أن الله تعالى أنزل عليه الكتاب والحكمة وأمر أزواج نبيه صلى الله عليه وسلم أن يذكرن ما يتلى في بيوتكهن من آيات الله والحكمة وقد قال غير واحد من السلف أن الحكمة هي السنة وقد قال صلى الله عليه وسلم: ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه " فما ثبت عنه من السنة فعلينا إتباعه سواء قيل إنه من القرآن ولم نفهمه نحن أو قيل ليس في القرآن كما أن ما اتفق عليه السابقون الأولون والذين اتبعوهم بإحسان فعلينا أن نتبعهم فيه سواء قيل إنه كان منصوصاً في السنة ولم يبلغنا ذلك أو قيل إنه مما استنبطوه واستخرجوه باجتهادهم من الكتاب والسنة. انتهت المقدمة.
فإذا تبين ذلك فوجوب إثبات العلو لله تعالى ونحوه يتبين من وجوه: أحدها أن يقال إن القرآن والسنن المستفيضة المتواترة وكلام السابقين والتابعين بل وسائر القرون الثلاثة بما فيه إثبات العلو لله على عرشه بأنواع من الدلالات ووجوه من الصفات وأصناف من العبارات تارة يخبر أنه خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش وقد ذكر الاستواء على العرش في سبعة مواضع وتارة يخبر بعروج الأشياء وصعودها وارتفاعها إليه كقوله تعالى: " وقال تعالى: " وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: " ألا تأمنونني وأنا أمين من في السماء " وقال للجارية: " أين الله قالت: في السماء قال: " اعتقها فإنها مؤمنة ". وتارة يجعل بعض الخلق عنده دون بعض ويخبر عمن عنده بالطاعة كقوله: " فإما أن يكون الحق إثبات ذلك أو نفيه فإن كان نفي ذلك هو الحق فمعلوم أن القرآن لم يبين هذا قط لا نصاً ولا ظاهراً ولا الرسول ولا أحد من الصحابة والتابعين وأئمة المسلمين لا أئمة المذاهب الأربعة ولا غيرهم ولا يمكن أحداً أن ينقل عن واحد من هؤلاء إنه نفي ذلك أو أخبر به وأما ما نقل من الإثبات عن هؤلاء فأكثر من أن يحصى أو يحصر فإن كان الحق النفي دون الإثبات - والكتاب والسنة والإجماع إنما دل على الإثبات ولم يذكر النفي أصلاً - لزم أن يكون للرسول والمؤمنون لم ينطقوا بالحق في هذا الباب بل نطقوا بما يدل إما نصاً وإما ظاهراً على الضلال والخطأ المناقض للهدى والصواب. ومعلوم أن من اعتقد هذا في الرسول والمؤمنين فله أوفر حظ من قوله تعالى " فإن القائل إذا قال هذه النصوص أريد بها خلاف ما يفهم منها أو خلاف ما دلت عليه أو إنه لم يرد إثبات علو الله نفسه على خلقه وإنما أريد بها علو المكانة ونحو ذلك كما قد بسطنا الكلام على هذا في غير هذا الموضع فيقال له فكان يجب أن يبين للناس الحق الذي يجب التصديق به باطناً وظاهراً بل ويبين لهم ما يدلهم على أن هذا الكلام لم يرد به مفهومه ومقتضاه فإن غاية ما يقدر إنه تكلم بالمجاز المخالف للحقيقة والباطن المخالف للظاهر ومعلوم باتفاق العقلاء أن المخاطب المبين إذا تكلم بمجاز فلا بد أن يقرن بخطابه ما يدل على إرادة المعنى المجازي فإذا كان الرسول المبلغ المبين الذي بين للناس ما نزل إليهم يعلم أن المراد بالكلام خلاف مفهومه ومقتضاه كان عليه أن يقرن بخطابه ما يصرف القلوب عن فهم المعنى الذي لم يرد لا سيما إذا كان باطلاً لا يجوز اعتقاده في الله فإن عليه أن ينهاهم عن أن يعتقدوا في الله ما لا يجوز اعتقاده إذا كان ذلك مخوفاً عليهم ولو لم يخاطبهم بما يدل على ذلك فكيف إذا كان خطابه هو الذي يدلهم على ذلك الاعتقاد الذي تقول النفاة هو اعتقاد باطل فإذا لم يكن في الكتاب ولا السنة ولا كلام أحد من السلف والأئمة ما يوافق قول النفاة أصلاً بل هم دائماً لا يتكلمون إلا بالإثبات امتنع حينئذ أن لا يكون مرادهم الإثبات وأن يكون النفي هو الذي يعتقدونه ويعتمدونه وهم لم يتكلموا به قط ولم يظهروه وإنما أظهروا ما يخالفه وينافيه وهذا كلام مبين لا مخلص لأحد عنه لكن للجهمية المتكلمة هنا كلام وللجهمية المتفلسفة كلام.
|